صلح الحديبية:إن المشاهدة العينية للسلوك المراد تربية الإنسان عليه أقوى وأبلغ في التأثير من أسلوب المقال،لأن مشاهدة السلوك تبين وتترجم إمكانية التطبيق،وتعطي قناعة بذلك،وتؤكد أهمية الأخذ به.ومثال ذلك ما وقع في صلح الحديبية،لما صدت قريش المسلمين من دخول مكة المكرمة،فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أن ينحروا ويحلقوا،فلم يقم منهم رجل*،حتى قال ذلك ثلاث مرات،فلما لم يقم منهم أحد،دخل على أم سلمه فذكر لها ما لقي من الناس،فقالت أم سلمه يا نبي الله أتحب ذلك؟أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم،كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك محلقك،فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك.فنحر بدنه،ودعا حالقه فحلقه،فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا،وجعل بعضهم يحلق بعضاً،حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً.وفيه فضل المشورة،وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد،وليس فيه أن الفعل مطلقاً أبلغ من القول، ونظير هذا الموقف ما وقع لهم ف غزوة الفتح،من أمره صلى الله عليه وسلم بالفطر في رمضان،فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب،فلما رأوه شرب شربوا.كما أن الأسلوب العملي أرسخ للفهم والتعليم والإيضاح، خاصة إذا وافق ذلك بيان قولي،ومن الأمثلة التي تؤكد اهتمام المنهج الإسلامي بهذا الأسلوب،ما جاء في سير الصحابة والتابعين من الأخذ بها،ومثال ذلك أن عمرو بن أبي الحسن سأل عبدالله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم،فانتقل رضي الله عنه من الإيضاح بالبيان ألقولي إلى البيان العملي،لأنه أبلغ من التأثير،ومن جانب آخر قد يتردد الإنسان ويحتار بين التقدم في أداء شيء وتركه،مما يحسن فعله،فإذا رأى غيره أقدم عليه تبعه في ذلك،فكم من المتعلمين وقف حائراً أمام مادة دراسية عجز عن فهمها أو عجز عن أداء عمل معين،شعر فيه بضعف قدرته عن القيام به،فإذا رأى قدوة من أقرانه وزملائه يدربون أنفسهم ويجاهدونها على ذلك،سعى هو إلى تقليدهم واقتضى أثرهم،وزال المانع الوهمي الذي كان في مخيلته.فكان لشاهد الحال التأثير الفاعل في اندفاعه نحو ذلك العمل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم