0

زوايا الاخبارية | المشاعر المقدسة



من رحلة تعب ومشقة إلى فسحة للعبادة تغلفها الرفاهية بهذه الكلمات وصف الحاج التونسي صلاح الدين السعفي رحلتيه للحج التي فصل بينهما نحو 43 عاماً .

يعد الحاج السعفي من القلة القليلة الذين وثقوا حجهم بين الماضي والحاضر سواء بالصورة أو تسجيل المذكرات التي تحكي رحلته للحج منذ مغادرته بلاده وحتى عودته بعد إتمام حجه .
يقول الحاج صلاح الدين في بداية حديثه لوكالة الأنباء السعودية : كان الحج قديماً يحمل الكثير من المعاناة والإجهاد لما يتسم به السفر إليه من مخاطر جمة سواء للمسافرين براً اللذين كانوا يقطعون البوادي والصحاري والقفار ضاربين أكباد الإبل أياماً وليالي وربما شهوراً كاملة ليصلوا إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج , أو بالنسبة للمسافرين بحراً الراكبين هضاب البحار وأمواجه خاصة في فترة السبعينات التي كانت فيها البواخر في تونس قليلة العدد وبدائية.
ويضيف الحاج السعفي : قصدت بيت الله الحرام عام 1972 م ـ 1392 هـ وكنت أبلغ من العمر حينها 25 عاماً ، وبدأت الرحلة من ميناء حلق الوادي بتونس على متن باخرة ـ الحبيب ـ الوحيدة التي تمتلكها تونس في ذلك الوقت .. كان الطريق الوحيد إلى الحج وقتها عبر البحر وصولاً إلى جدة ، وكانت تٌقام في الباخرة دروس دينية يوميه طوال الـ10 أيام التي نقضيها في البحر ، وسط قلوب يحملها الشوق لرؤية بيت الله الحرام والتنعم بالمشاعر المقدسة ، وفور وصول الحجيج إلى مدينة جدة يقام عزلهم صحياً في منطقة أسمها ـ الطور ـ ويتم تفويجهم عبر دفعات إلى المشاعر المقدسة بعد التأكد من سلامتهم من الأمراض المعدية وقد تستغرق العملية من ثلاثة إلى عشرة أيام .
وتابع : وبعد وصولنا إلى جدة تبدأ رحلة جديدة للحجيج من جدة نحو مكة من أجل القيام بطواف القدوم ، والاستراحة الأولى تبدأ في منطقة ـ أم السلم ـ حيث تتوقف عندها قوافل الحجيج من أجل تأدية ما حضرهم من فروض الصلاة ، وأخذ قسط من الراحة وسط أجواء روحانية جلية ، وكانت حينها الخدمات المقدمة للحجيج بسيطة ، فكل شخص يعتمد على نفسه في شراء الغذاء والماء فلم تكن هناك سوى بعض البقالات المتفرقة من هنا وهناك التي تعترض خط سير قوافل الحجيج .
وأضاف : كانت الطرق التي تؤدي إلى مكة المكرمة صحراوية وبسيطة وضيقة في السابق ، وينقسم الحجيج إلى عدة أقسام بحسب قدراتهم المالية فمنهم من يستأجر سيارة بسيطة للوصول إلى مكة ومنهم من يركب في الباصات ومنهم من يمتطي ظهر الدواب ، حتى يصل الحجيج إلى بيت الله الحرام استعداداً لطواف القدوم بعد أن أتموا إحرامهم من الميقات وبعد الطواف وتقبيل الحجر الأسود لمن استطاع إليه سبيلاً ، يتوجه الحجيج إلى باب الصفا لبدء السعي بين الصفا والمروة ملبين ومهللين ، ويحمل أصحائهم مرضاهم على صناديق خشبية تشبه صناديق الغلال.
ويستطرد قائلاً : وفي صباح اليوم التاسع من ذي الحجة يتوجه الحجيج إلى مشعر عرفات لتأدية فريضة الحج الأكبر ، وتقلهم سيارات ثقيلة مكشوفة يُطلق عليها ـ لوري ـ وكنا نضع حقائبنا فوق سقف السيارة ونجلس فوقها ، وقلوبنا معلقة لرؤية جبل عرفات وملامسة تراب المشاعر المقدسة.




 ومضى يقول : في السبعينات لا يوجد تنسيق رسمي بخصوص المساحات ، إذ أن كل حاج يصل إلى المشعر ينصب خيمته بنفسه ، وكان جميع الحجاج من مختلف الدول ينصبون خيمهم في مساحة واحدة متقاربة ، ثم تتوجه قوافل الحجيج نحو مزدلفة تليها منى وأغلب الحجيج يتنقلون في السابق ما بين المشاعر مشياً على الأقدام بعكس الآن ؛ إذ أن التنقل يتم بسيارات وباصات مكيفة ومريحة فضلاً عن القطار ، وبعد رمي الجمرات ، نتوجه إلى المسلخ لاختيار ذبيحة العيد بأنفسنا ونشرف على ذبحها ، ثم نتوجه بعد إتمام رمي الجمرات إلى بيت الله الحرام مجدداً للقيام بالفرض الأخير وهو طواف الوداع دون سعي بين الصفا والمروة وبهذا ينتهي الحج .
وتابع حديثه : في السابق لم يكن ماء زمزم يقدم كما الآن فالحاج كان يتوجه بنفسه قرب البئر ليشرب منه وكان أهل الخير يملئون بعض القوارير لتقديمها للحجيج , وفي الماضي أيضاً كان الحاج يتحمل عناء أخذ الطعام والشراب والمؤونة كي تكفيه عدة أيام وأشهر على الطريق ، أما الآن فما من حاجة إلى ذلك فالطعام والشراب موجود والعلاج متوفر في كل مكان يصل إليه الحاج ويمر به .
وقال الحاج السعفي مبتسماً : شتان بين الحج في الماضي والحج في الحاضر ؛ إن مسيرة العطاء التي رسم معالمها الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ، وتابع خطاها أبناؤه البررة الذين سهروا جميعاً على أمن الحجاج وراحتهم ، من خلال التوسعات الضخمة والمتلاحقة لبيت الله الحرام ، ولمشاريعه التطويرية العملاقة كمشروع منشأة الجمرات ، ومشروع قطار المشاعر والحرمين ، ومشروع توسعة المسعى ، لتكون نقلة نوعية كبرى في الطاقة الاستيعابية ، وكذلك مشروع توسعة المسجد النبوي ، كل هذه الإصلاحات المتقاربة زمنياً جعلت من رحلة الحج أيسر وأرفق وأمتع وأتاحت للحاج التخلص من كل همومه ومتاعبه المتوقعة للتركيز أكثر على أداء المناسك.
وأضاف مختتماً حديثه : لقد حبا الله المملكة بقادة أفذاذ صناديد شقوا الحجر ومهدوا وفتحوا الطرقات ووهبوا نفسهم لخدمة بيت الله حتى أنهم سموا أنفسهم بخدام الحرمين الشريفين ..هؤلاء الرجال وبتوفيق من الله وفضله جعلوا رحلة الحج على ما هي عليه اليوم من يُسر وأمان .. ترى الحاج يتنعم بالخدمات والمنشآت ويتجول في رمي الجمرات تجول السائح المطمئن , فجزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم


 
الى الاعلى