الشجاعة
شدة القلب عند البأس،والإقدام ورباطه الجأش عند اشتداد الخطوب،والشجاعة
ركن من أركان الشخصية الإسلامية السليمة،الشجاعة التي تجعله يصمد أمام
الأعاصير والعواصف الهوجاء التي تعتريه في طريق دعوته،وتجعله يصمد أمام مكر
الأعداء وخبثهم،وجعله يصمد أمام مؤامراتهم ودسائسهم،ويصمد أمام
دعاياتهم،وأراجيفهم،ويصمد أمامهم وجهاً لوجه في سوح الوغا وميادين
المعارك،ولا نعني بالشجاعة التهور والطيش والاندفاع في المواقف دون تقدير
النتائج، وليست الشجاعة منافية للحذر بل قد يكون الخوف من الشجاعة،لإن
الشجاع يترد قبل أن يقدم ليوازن بين العمل ونتائجه والإقدام وغاياته، فليس
الشجاع هو الذي لا يخاف قط،إنما الشجاع من يتغلب على بواعثه ويتقدم في
تدبير محكم،وصبر وقوة احتمال.كما وأن الشجاعة لا تقتصر على حمل
السيف،ومقارنة الأبطال،بل في حمل الفكرة والدعوة إليها،والثبات والاستمرار
فيها،دون خور أو ملل أو ضجر على الرغم من وقوف الأعداء بوجهه،ومناوأتهم
لدعوته وفكرته،ومعارضتهم لها ومقابلتها بالجحود والاستكبار والاستنكار،كما
أن ضبط النفس وعدم الاستجابة للاستفزاز والاندفاع وراء العاطفة هو من
الشجاعة من أظهر مظاهرها.
وعلى هذا فإن
الفرد وهو يصغي لقائده وهو يحثه على الشجاعة ويغرس في نفسه معانيها الحلوه
التي ذكرناها أنفاً،لا يمكن أن يستجيب له وهو لا يرى عليه أثار هذه
الشجاعة،ولا يمكن لهذا الفرد أيضا وقد داهمته الخطوب وحفت به الأخطار،أن
يصمد وليس في مخيلته صورة حية لقدوة حسنة قد سبقته بوقفاته الشجاعة وجرأته
اللامتناهية.
وهنا لا بد من أن نتعرف إلى
بعض جوانب الشجاعة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة في هذا
المضمار، تدفع سيرته الواقعية الجميع للاقتداء به، والتأسي بهديه،ونذكر هنا
مثال على ذلك:
- شجاعته في سوح
الوغى،فليس أدل عليها من قول علي رضي الله تعالى عنه(إنا كنا إذا حمي
البأس،واحمرت الحدق،اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أقرب
إلى العدو منه،ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم
وهو أقربنا إلى العدو كان من أشد الناس بأساً.وفي رواية كان أشجعنا أقربنا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،وفي معركة حنين حين فر المسلمون لا يلوون
على احد ولم يثبت إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم،في قلة من أهل بيته،
منهم العباس بن عبد المطلب الذي روى عنه الإمام مسلم حديث الغزوة
بقوله:(شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
نفارقه،ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروه بن
نفاثة ألجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق
رسول الله صلى الله عليه وسلم يركفى بغلته قبل الكفار،قال العباس: وأنا أخذ
بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو
سفيان أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم"أي عباس،نادى أصحاب السمرة" فقال عباس وكان رجلاً صيتاً، فقلت
بأعلى صوتي:أين أصحاب السمرة؟قال:فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة
البقر على أولادها،فقالوا:يالبيك يا لبيك).إن الجنود مهما ألقى إليهم من
دروس في الشجاعة والإقدام والتضحية،لن تفعل فيهم مثل ما يفعل فيهم رؤية
منظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقدمهم إلى العدو،كما يروي ذلك علي
رضي الله عنه في بدر وغيرها، وإن مئات الكلمات والمواعظ والخطب الرنانة في
الثبات،لا فعل فل ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في حنين، وجنود المسلمين
يفرون والأعداء يرشقونهم بالنبل،أيعظهم بالثبات في مثل هذا الموقف؟إن
الجنود في مثل هذه الحالة من الهلع والخوف لفي أشد الحاجة لموقف من القدوة
يرجعهم إلى الجادة التي انحرفوا عنها.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم