0



وكالة أنباء الشعر – أبوظبي
الشعر يواصل تألقه في ثامن أمسيات شاعر المليون 6
للحلقة الثانية على التوالي من حلقات المرحلة الثانية من مسابقة "شاعر المليون" في موسمها السادس، يتألق الشعر ويرتفع عالياً بجمهوره الذي ينتصر للشاعر وللنص الجميل على حد سواء، حتى وإن اختلفت نِسب الانتصار تلك، والتي تخضع لاعتبارات كثيرة، ومع ذلك يبقى الشعر الجميل حامل الصور المدهشة والطرق المتميز؛ مقياس تفوّق نصوص، وتراجع نصوص أخرى وفق تقييم لجنة التحكيم المكونة من د.غسان الحسن، وحمد السعيد، وسلطان العميمي، وبالتالي إذا كان تصويت جمهور الموقع الإلكتروني وتصويت جمهور المسرح منحازاً في غالبيته إلى شعراء دون آخرين، فإن اللجنة لا تفوّت نصاً من دون أن تقدم فيه نقداً موضوعياً حتى وإن كان قاسياً، وخصوصاً رأي د. غسان الحسن، الذي يحسب له الشعراء أكثر من حساب، فمشرط النقد عند د. غسان حاد، لكنه متميز كما الحال بالنسبة لرأي سلطان العميمي الملقب بـ "الرادار" لدقته في كشف الأخطاء وأيّ خلل في الوزن، غير أن رأي حمد السعيد هو "حبة المهدئ" حسب تعبير د. ناديا بوهنّاد، فيطرب له الشعراء ويستأنسون به، ربما لأن السعيد يمنح الفرصة لكل شاعر لـ "عدّ" قصيد غير قصيد المسابقة.



نتائج الحلقة الماضية (السابعة - الأولى من المرحلة الثانية)
ليلة أمس وقبل أن يُعطي المخرج الإشارة لشعراء الحلقة الثانية من المرحلة الثانية اجتمع على خشبة مسرح شاطئ الراحة شعراء الحلقة الماضية الذين كانوا بانتظار نتائج تصويت الجمهور عبر الرسائل النصية القصيرة، وقد انتهى الانتظار بفوز الشاعر كامل ناصر البطحري/ سلطنة عُمان بـ85%، فيما كان الفائز الثاني حمد سعيد البلوشي/ من الإمارات الذي حصل على 52%.



وقبل أن يترجل بقية الشعراء عن مسرح المسابقة والمنافسة؛ استفاد الشاعر بدر بندر العتيبي/ الكويت من المفاجأة التي أعلنت عنها لجنة التحكيم ليلة أمس، وهي بطاقات التثبيت الثلاث التي تمكّن ثلاثة شعراء من شعراء المرحلة الثانية من النجاة والتأهل إلى المرحلة الثالثة، والتي بدل أن يصل إليها 12 شاعراً كما كان مقرراً، بات العدد 15 شاعراً يتنافسون على مدى ثلاث حلقات. ذلك أن مستوى الشعراء في هذا الموسم من "شاعر المليون" فرض على اللجنة اتخاذ ذلك القرار الذي جاء لصالح الشعر قبل الشعراء.


وهكذا وبينما ظل البطحري والبلوشي وبدر بندر ضمن غمار المسابقة، فقد خرج منها كل من أسامة السردي/ الأردن، طلال بن عون/ سوريا، مجلاد الفعم/ الكويت، حاملين معهم محبة الجمهور وحزنه لغيابهم عن أجواء المنافسة.

شعراء الأمسية
اجتمع ليلة أمس سبعة شعراء جدد على مسرح شاطئ الراحة، وهم علي القرني ووديع الأحمدي/ السعودية، أحمد المجاحمة وعبدالله الهذال/ الكويت، بخيت المري/ قطر، علي الغنبوصي/ سلطنة عُمان، فلاح البدري/ العراق.


وحسب نتائج رأي لجنة التحكيم فقد كان الفوز والتأهل للمرحلة الثالثة من نصيب عبدالله الهذال الذي حصل على 49 درجة، فيما يتوجب على بقية الشعراء انتظار نتائج التصويت حتى مطلع الحلقة القادمة.

تصوير واقعي بأسلوب رومانسي


بحضور الشاعرين أمير شعراء الموسم الأول من برنامج "أمير الشعراء" الشاعر كريم معتوق، والشاعر زياد بن حجاب بن نحيت حامل بيرق الموسم الثالث من "شاعر المليون"؛ قدّم أحمد المجاحمة نصه الذي بدأ مطلعه بالأبيات التي قال فيها:
سهر يا شقا الشاعر ويا جفنه المرتاب من الحيره اللي عايشه بينه وبينه
يزور النهار الليل ويلبسه جلباب وجلبابه الدامس يشتت عناوينه
ضياع وظلام وريح عاتي وصوت غراب وقمر ما اكتمل واحساس ما يندرى وينه

مضيفاً:
على زاوية مقهى جلس في يديه كتاب ويقرا قصيدن فيك كنتي تحبينه
ويمر المسامع صوتك الهادي الجذاب ويحس انك بكل الزوايا تشوفينه
ذكر عينك اللي حدرت دمعها الكذاب وذكر يوم قلتي له ما والله تخلينه

ثم ختم بالأبيات:
رغم كل هذا وقف لجرحك ولا تاب ما ودّه ليا من طاح تكثر سكاكينه
عرفتيه هذا مين يا شيخة الغياب أنا هو من حبك ومن ضاعت سنينه
بعد ليلة غيابك أنا فص شوق وذاب لو أنك رجعتي آسفه ما تلاقينه

د. غسان الحسن أول من قال رأيه في نص المجاحمة، إذ بيّن أن ذلك النص انقسم إلى قسمين، فكانت بدايته شاعرية ومرتفعة جداً وصلت إلى حد الرومانسية بسبب الفراق الذي انعكس على ما فيه من مفردات مثل (الليل، الظلام، غراب)، بالإضافة إلى مفردة المدينة التي يحب الرومانسيون استعمالها للتعبير عن شعورهم بالوحشة، وكان غياب تلك الفتاة هو السبب في ذلك، مشيراً إلى البيت (على زاوية مقهى جلس في يديه كتاب/ ويقرا قصيدن فيك كنتي تحبينه) الذي يحمل نوعاً من التصوير الواقعي، إذ استخدم الشاعر الرومانسية في تصوير واقع ملموس، أما الأبيات الأربعة الأخيرة فقد حملت تناقضاً، فبينما قال الشاعر (رغم كل هذا وقف لجرحك ولا تاب) وفي ذلك إلحاحاً عظيماً، فإنه أضاف (لو أنك رجعتي آسفه ما تلاقينه) وهذا أمر غير واقعي، ومع ذلك يبقى النص برأي د. غسان جميلاً وراقياً.
سلطان العميمي رأي أن النص يتراوح بين الحزن والرومانسية، وفي البيت الثالث اعتقد العميمي أن القصيدة ستكون عاصفة، لكن بعض وجود المفردات فيه (ضياع وظلام وريح عاتي وصوت غراب/ وقمر ما اكتمل واحساس ما يندرى وينه) أوصله إلى اعتبار أن العاصفة ذهنية لا أكثر، مبدياً العميمي إعجابه بالبيت الأخير (بعد ليلة غيابك أنا فص شوق وذاب/ لو أنك رجعتي آسفه ما تلاقينه) الذي يكاد يلخص موضوع القصيدة الجميلة في بنائها.
حمد السعيد أشار إلى جمال النص رغم كمية الألم الموجود فيه، وقال إنه اقتناصة جميلة على طَرْق المنكوص، ويحمل سيناريو جميلاً ومترابطاً، مشيراً السعيد إلى موطن الألم في الشطر (وقمر ما اكتمل واحساس ما يندرى وينه) بما فيه من خيال، كما أشار السعيد إلى اتفاقه مع رأي د. الحسن فيما يتعلق بالبيت الأخير.

سهولة ممتنعة مغلفة بالذكاء


بخيت المري ثاني شعراء حلقة ليلة أمس، وقد ألقى نصاً موضوعه الأعذار، ومما قاله في مطلع النص:
ظروف الرجل تستعمره في بعض الامرار وتحرجه مع نفسه وتحرجه مع ناسه
ولا يختلف في غيبته صاحباً عذار يقدر صدوف الوقت ويصدق احساسه
وأنا يا رفيقي سقت لك اجزل الاعذار مثل ما يساق العود الازرق لجلاسه

ثم قال في أبيات المتن:
ضلوعي حطب ومعاتبتك يا الرفيق البار يشب الحطب والهم يكسر لك بفاسه
الإنسان طير وظرفه اليا غدا صقار ما يفلته منه قوة إصراره وباسه
تدور السنين وتختلف عادة البوار لكن صاحبك هو هو لين آخر انفاسه

وقبل الختام قال:
سناها يقدي التايه ويجلي اعمامه وعلى جرته كم طاح في بداية المشوار
ضعيفاً يحاول يقتبس طبعه وحاسه تذكرني اليا من جفاك القريب وجار

سلطان العميمي أشار إلى جمال القصيدة التي أبرز فيها الشاعر شاعريته ووعيه بما يقول، وبالشكل الذي يخدم الموضوع، وكانت القصيدة تلقائية، وهي سهلة ممتنعة وسلسة، لا تخلخل في بنائها ولا تنافر في صورها، أما البيت (ضلوعي حطب ومعاتبتك يا الرفيق البار / شب الحطب والهم يكسر لك بفاسه) فلا يقوله إلا شاعر مبدع.
حمد السعيد شكر المري على ما قاله في النص، بدءاً من أبيات المقدمة، والنص بمجمله سهل ممتنع، وأسلوب الشاعر فيه متميز، لا سيما أنه صاحب بصمة متميزة، والنص مغلف برمزية ذكية، قد يكون الشاعر مر في التجربة، ودلل على ذلك في عدة أبيات من بينها (الإنسان طير وظرفه اليا غدا صقار/ ما يفلته منه قوة إصراره وباسه)، لكن البيتين الأخيرين اختصرا النص، والأبيات بشكل عام جميلة جداً.
د. غسان الحسن قال إن موضوع القصيدة جميل واجتماعي، وهو تجربة خاصة عند الشاعر انتهت إلى عذر الصديق، وهذا ما سبق وقاله الشاعر بشار بن برد في إحدى قصائده، إذ أن هذه القضية قديمة متجددة، وحمل النص تصويرات جميلة من بينها ما جاء في البيت (وأنا يا رفيقي سقت لك اجزل الاعذار/ مثل ما يساق العود لجلاسه)، وما تكرر في قصائد الآخرين في مواسم سابقة معنى البيت (ضلوعي حطب ومعاتبتك يا الرفيق البار / شب الحطب والهم يكسر لك بفاسه)، أما البيت الأخير فقد صاغه الشاعر بطريقة جميلة فيها تشبيه ضمني لا يستخدمه إلا الشعراء المقتدرون، لكن د. الحسن توقف عند البيت (لكن صاحبك هو هو لين آخر انفاسه/ على العز وعلوم الوفا ما طفت له نار)، إذ لا يجوز وجود السلبي والإيجابي في ذات الموقع، أي أن النار لا يمكن أن تكون سلبية وإيجابية في ذات المكان لأنها مبينة على موقف واحد.

نص خطير محترف


(مذهبي شنّي) كان نص الشاعر عبدالله الهذال الذي قال في مطلعه:
هيلا صديقي ومن ضفة الخليج العرب ابعث سلامي وقلبي فاح حب واريج
من خلف كل الثقوب السود جبت الأدب على بساط الشعر في ليل داجي مريج
جلت بسمرقند مريت بسرايا حلب ومن قرطبة رحت ب احلامي لنهر البريج

ومما قال أيضاً:
ترقص حروفك جواري في لجين وذهب ما بين غلمان وطيور وفراش وهميج
ارواحنا شفت الجنه وثقرك سكب انهار خمر وشهد ألوان سالت ثجيج

ثم أضاف:
هيلا أنا غاندي قلبي وحبي نسب يشمل جميع البشر والحب أعظم وشيج
وشني أنا مذهبي للال ما أحتزب ولا حاك من دونهم للصحب حبه نسيج

فيما أنهى نصه بأبيات جاء فيها:
إن كان قتلي لحقن الدم يصبح سبب على يدينك يكون الموت شعر وهزيج
لعلي نطفي الحقد وفتيل الغضب ويعم صوت الفرح عقب البكا والنشيج
وإذا عفيتي عفاك الله عندي طلب هيلا خذيني هدية من شعوب الخليج

حمد السعيد أشار إلى أن الحديث عن النص يطول، لكنه اكتفى باعتباره نصاً ذكياً لا يكتبه إلا الشاعر المحترف، كما أنه نص شاعر مثقف، وهو ما تؤكده قافية العجز، فالنص مليء بالثقافة وبالإسقاطات التاريخية، (هيلا صديقي ومن ضفة الخليج العرب/ ابعث سلامي وقلبي فاح حب واريج)، أما البيت (وشنّي أنا مذهبي للال ما يحتزب/ ولا حاك من دونهم للصحب حبه نسيج) فهو دعوة لحسن الجوار وفي ذلك ذكاء أيضاً من الشاعر سواء من ناحية المعنى أو من ناحية الإسقاط التاريخي كما الأمر بالنسبة للبيت (أنا ولد منكسر كسرى ودح وشرب/ من دم جدانك وحوشى بوسط الأجيج)، أما البيت (إن كان قتلي لحقن الدم يصبح سبب/ على يدينك يكون الموت شعر وهزيج) فقد أعجب به السعيد، وكذلك في البيت (من خلف كل الثقوب السود جبت الأدب/ على بساط الشعر في ليل داجي مريج)، وختم بقوله إن حضور الشاعر كان مميزاً، أما شعره فهو جزل وجميل.
وحسبما قال د. غسان الحسن فقد ارتكز نص الهذال على مخاطبة الشاعرة الإيرانية، وكان يكفي القول (هيلا صديقي ومن ضفة الخليج العرب)، والنص فيه شاعرية متدفقة وخطيرة جداً، ويحتار المرء فيما يتحدث، ففيه نوافذ ثقافية، وكلمات استُخدمت لها دلالتها مثل الرموز وأسماء الأعلام والوقائع والأحداث والأماكن. ثم إن الشاعر بنى النص على وعي، وذهب إلى المشترك بين الأمم، أما الجغرافية فقد تجلت في البيت (جلت بسمرقند مريت بسرايا حلب/ ومن قرطبة رحت ب احلامي لنهر البريج)، وحضر الأدب في (ألف ليلة وليلة) الرمز في الثقافة العرب، والذي تشترك فيه كل الأمم الإسلامية.
وقد بدأ الشاعر بما يوحد الناس، ثم ذهب إلى طلب السلام بين تلك الأمم، مبدياً أنه مستعد للتضحية في سبيل تحقيق الوحدة، كما أورد الشاعر عدة مفردات تعتبر بمثابة رموز مثل (غاندي)، أما (غوغوش) المطربة فارسية فتمنى د. الحسن لو أن الشاعر لم يذكرها في ذلك النص الذي اعتبره خطيراً، وقال في ختام رأيه إنه كان متوقعاً من الشاعر مثل هكذا نص، لأنه شاعر كبير.
سلطان العميمي أثنى على النص، وعلى حضور الشاعر الذي كان جميلاً، وما ميز الشاعر ليلة أمس ثراء قاموس مفرداته، وبنائه المحكم للنص، واستحضار الرموز أيضاً، فالنص مميز وثري، وقد أعجبه البيت الذي قال فيه الشاعر (من أي إكسير من اي سحر هذا العجب/ من أي منجم بهذا الماس كمنزك وثيج) فهو بيت جميل، مؤكداً أن الخليج سيبقى عربياً.

أبيات قريبة المتناول


علي الغنبوصي في (البيت الخليجي) قال في مطلع نصه الذي أعجب جمهور الموقع الإلكتروني للمسابقة:
جريت صوت الأمل وأنا على قهوان وجاوب خليج العطاء للصوت يا حيّه
والفكر لا سج سرحته مع القيفان وتشكل من الشعر معنى وقافية
قلوبنا روضة خضراء بلا بيبان نتقاسم القوت والحاجات مقضية

وأردف بالقول:
يا قصة العز منتي كان يا ما كان لو حاضر الوقت خلاها سياسية
ايامنا البيض ما قفت مع النسيان إن شاب راسي وتاهت بي خطاوية
هذي سفينة غلانا تجمع الاوطان وتقاوم الحيس لا هبت شمالية

وقفل نصه بالأبيات:
يا موطني شاقني صوت البحر والدان ونهامنا لا صدح بلجان بحرية
حنا بياض السحب لا حت على ضميان إن غيمت امطرت بالخير وسمية
البيت واحد ابد ما طاله النقصان وتبقى الروابط خليجيه خليجية

د. غسان الحسن وصف النص بأنه حماسي وطني جميل، وأحداث المنطقة تتطلب أبيات الشاعر التي ألقاها، ولأن النص كذلك فإن ذلك تطلّب من الشاعر الوضوح واستخدام أبيات غير بعيدة وغير مركبة، إنما قريبة المتناول، معتبراً أن البيت (قلوبنا روضة خضراء بلا بيبان/ نتقاسم القوت والحاجات مقضية) هو اقتناصة جميلة، والشطر الذي قال فيه: (النا غصون الصعايب دوم محنيه) كان جميلاً.
وقال إن في النص كنايات من التراث المحلي المعاصر، والبيت (يا موطني شاقني صوت البحر والدان/ ونهامنا لا صدح بلجان بحرية) مستلهم من التراث، فيما تضمن البيت الأخير (البيت واحد ابد ما طاله النقصان/ وتبقى الروابط خليجيه خليجية) المغزى الذي ذهب إليه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو (البيت متوحد)، وهذا أمر جميل.
سلطان العميمي أشاد بالفكرة الني بني عليها النص، وبالموضوع المتميز، وبالأسلوب السلس السهل الممتنع، مشيراً إلى تكرار أسلوب النداء في ثلاثة مواضع، موضعين يتعلقان بالمكان (يا تراب، يا موطني)، وموضع مرتبط بأمر معنوي (يا عز)، وما لفت انتباه العميمي أنسنة الجمال في كثير من الأبيات (بحارها تبتسم لعيونه الخلجان/ إن مر عابر بها شق الضبابية)، و(جريت صوت الأمل وأنا على قهوان/ وجاوب خليج العطاء للصوت يا حيّه).

مقارنة لا يحتملها النص


في المرحلة الماضية كان قد لفت انبتاه النقاد، لكن ليلة أمس وجدوا في موضوع الذي طرحه من خلال قصيدة مسألة غريبة بعض الشيء، وهي المقارنة التي لجأ إليها الشاعر فلاح البدري بين سفينة نوح وسفينة التيتانيك، إذ قال في مفتاح نصه:
اجسري يا لوزة الغضروف لا يلحق ملام خابر ان اوتار صوتي حضرتك جلبابها
صخريهن مع صدور ايعاز جاشي للكلام وابشري في شفرة لسان تغنم نابها
لا يزال العلم في لب الخلايا تبر خام تحتويه ايتام فكري في برود اعصابها

وعن التايتنيك بشكل مباشر قال:
خابرين التايتنك اسطورة من مية عام باصلب أنواع المعادن صاقلين اخشابها
ما لمسها اندروس ألا مشاوير وليام كل مصانع هارلند محصنين ابوابها

ليختم بقوله:
وحدها تسري وتجري بأمر من رب الانام يوم هامات الجبال استنجدت بهضابها
كان حق ان الخلايق تعطي الفلك اهتمام حيث ما يحمل عليه الا اصول انسابها

مقدرة الشاعر البدري أكبر مما قدمه ليلة أمس.. هذا ما أكد عليه سلطان العميمي، وبينما أشار إلى استمتاعه بالأبيات الخمس الأولى، إلا أن بقية الأبيات لم تمثل شاعرية الشاعر الذي يعتبره العميمي أقدر وأكفأ، خصوصاً وأن الموضوع لا يحتمل تلك المقارنة.
من جهته وجد حمد السعيد أن المقارنة جميلة من شاعر جميل جداً، وتأكيداً على كلامه فقد طلب من البدري عدّ أبيات أخرى من قصائد قديمة للشاعر، إلى جانب الأبوذية، غير أن د. غسان الحسن اكتفى بالنص الذي قدمه الشاعر ليلة أمس، وقال إنه ينقسم موضوعياً إلى قسمين، في القسم الأول كانت الصور الناجحة في طروحات كثيرة، في حين أن القسم الثاني بدا منفصلاً عن الأول كلياً، وليس فيه من الشعر شيئاً، وقد كانت المقارنة بين السفينتين عجيبة.

لا حشو في نص ذكي


علي القرني ومن خلال نص جميل استطاع أن يكسب إعجاب النقاد بما قدم من صور ومعانٍ في نص (الجار) الذي قال في أبياته الثلاثة الأولى:
ذا الليل هاجوسي علم والمعنى دليل يقدم ويمناه البريعة نار واليسى شرار
على متونه غاليات الجوخ وصواته صهيل وتهب في صدر رياح الحق وطير الحرار
لله درك يا هجاد السمح بالطرح النبيل انحر من أذواد القريحة بكر واقلط عالقفار

مؤكداً على قيمة الجار بشكل رائع من خلال البيتين الذين قال فيهما:
فالجار فنجاله من عروقي وجوفي له مقيل أنسج له رموش العيون فراش والحاجب ستار
يصان صون ماي الوجه من شان الدحيل ويعز مقداره بقدر الشيب في سن الوقار

وفي خاتمة النص أشاد بالمعاني السامية التي يجب أن تبنى عليها الجيرة حين قال في أبياته الأخيرة:
من نخوة ابطالك يعرف مصطلح رد الجميل يوم بقعا نارها تنشب ورحاها تدار
يا حي تفداك النفوس اتهن بالعمر الطويل وابنِ بجماجمنا جدار المنع واشلانا شعار
يا عزوة الرجال يا غالية يا قدر الزميل واللي يساوم بالثلاث يكون ضاربها يشار
هذاك مثل اللي خذا له عود عشر في فتيل لا رد به ذيب المراح ولا توقد منه نار

حمد السعيد اعتبر الحديث عن الجار في نص القرني جميلاً للغاية، وما لفته مدخل القصيدة التي كانت متميزة (ذا الليل هاجوسي علم والمعنى دليل/ يقدم ويمناه البريعة نار واليسى شرار)، وكذلك البيت الذي قال فيه (فالجار فنجاله من عروقي وجوفي له مقيل/ أنسج له ارموش العيون افراش والحاجب ستار).
ومثلما أثار النص دهشة السعيد، كذلك أثار إعجاب د. غسان الحسن جداً، فالصياغة فيه محكمة جداً، ولم يترك الشاعر أي فجوة إلا وملأها بالشعر، كما كان يعطي كل جملة حقها من التصوير مثلما هو الحال بالنسبة للبيت (على متونه غاليات الجوخ وصواته صهيل/ وتهب في صدر رياح الحق وطير الحرار) الذي حمل أربع صور، وكذلك هو الحال بالنسبة لسواه من الأبيات كما الأمر في البيت (فالجار فنجاله من عروقي وجوفي له مقيل/ أنسج له رموش العيون فراش والحاجب ستار)، فلدى الشاعر أسلوبه الخاص في إبراز الصور الشعرية التي تفتح الآفاق إلى درجة أن العادات والتقاليد وصلتنا من خلال النص.
من جانبه وجد الناقد سلطان العميمي أن القصيدة مليئة بالشعر، إذ لا حشو في مفرداتها وصورها، ثم توقف عند الخاتمة، معتبراً أن البيت الأخير (هذاك مثل اللي خذا له عود عشر في فتيل/ لا رد به ذيب المراح ولا توقد منه نار) فيه ذكاء كثير وعمق بليغ في التصوير، والتقاطة جميلة جداً.

خصوصية لا يتقنها إلا الأحمدي


مثلما تمكّن وديع الأحمدي من طرح نص مختلف في المرحلة الأولى كذلك فعل هذه المرة، فهو يذهب بالشعر النبطي إلى جهة أخرى من الجمال الذي طرحه من خلال نصه الذي دار ليلة أمس حول الأم، وقد قال في مطلع القصيدة البديعة:
لا طرّف الليل واسدل حلكته للشتات جيتك تعب والعمر واقف براحة يدي
جيتك طفل كلما خفت احتضنك بسكات محتاج أعوذ جنينك والحياة اتغدي
وحيد الحزن يصبح ف العروق ويبات والوحده إنسان أعمى روح ما يقتدي
تضيق بي كل حاجه واحتياجي ممات من قال روحي تعيش اللي يعيش جسدي

كما أضاف المزيد من السحر على القصيدة من خلال الأبيات التي جاء فيها:
يصورك في بياض بمسعفك والعباة كأنك الصبح من حضن الليال يهدي
غرفتك سجادتك مصحفك والتمتمات وبراد شاهيك يخبر والبساط أحمدي

وفي نهاية قصيدته أبدع حين قال:
ضميني أكثر عن العالم وموت الحياة محتاج ما احتاج غيرك بسمتك مولدي
خلقك ربي نجاة وقدّر اسمك نجاة وأنا وحيدك وديع المطلق احمدي

كان وديع متألقاً كعادته مثلما قال د. غسان الحسن، ليس فقط في النص، إنما في الإلقاء أيضاً، وقد اعتبر د. الحسن أن النص مذهل، والجمال فيه ينبع من وصول المشاعر إلى المتلقي، وما ساعد على ذلك الإلقاء الحميم للنص، وبالنسبة للتصوير فقد قال د. الحسن إنه جاء شاملاً وجزئياً، أي في كل بيت صور كثيرة جميلة، كما اتبع الشاعر أسلوب الذهاب إلى التفصيلات كما في البيت (الغربة بداخلي توقظ بقايا رفات/ أحلام كانت سماي وأرضي وموعدي) وكذلك البيت (غرفتك سجادتك مصحفك والتمتمات/ وبراد شاهيك يخبر والبساط أحمدي ) سجادتك )، وكذلك البيت (لك من حجازك سكينه واعتداد وثبات/ طيبة وطهر وتسامي واعتقاد وفِدي).
ومما قاله د. غسان إن التعداد ورد في النص في أكثر من 7 مواقع، وفي الحالة العادية يمكن اعتبار ذلك تغلباً للنمطية، لكن في نص الأحمدي كان الأمر عبارة عن الدخول إلى الذات بصور جزيئية دقيقة، وللشاعر الحق في أن يعبر عن تلك الصور، كما أشار د. غسان إلى وجود تورية في البيت الأخير في ثلاثة مواضع، وهي مفردة (نجاة) واسم الشاعر ذاته، وقد ختم د. غسان رأيه بالقول إن القصيدة بعيدة عن العامية قريبة من الفصحى، لكنها نص يستحق الإشادة.
سلطان العميمي ركز على الأم كقيمة دالّة عن الأمومة والوطن والجنة، وقد أعجبه تعامل الشاعر مع ذلك، كما أعجبه حديث الشاعر عن أمه بتلك الحميمية، فكانت بالنسبة له حياة وعين وعالم وأمان، والجميل الذي رآه العميمي من أول النص إلى آخره وجود الجمال شعري فيه بشكل واضح، وبخصوصية لا يقتنها إلا الأحمدي، ثم لفت العميمي إلى استحضار المكان في نص الشاعر وهو الحجاز، وإلى التجربة كابن، والتي أنتجت صياغة شعرية متميزة، ومختتماً رأيه بالقول: هذا النص لا أحد يكتبه إلا أنت.
ثم جاء رأي حمد السعيد ليكون خاتمة الآراء بالنسبة للقصائد الرئيسة في الحلقة، إذ قال عن نص الأحمدي إنه نص شامخ بشموخ الأم، وقد كان الختام المسك للحلقة، فإحساس الأحمدي جميل وراقٍ، وفيه تسلسل عجيب، وتأثر واضح بالبيئة وهي الحجاز، كما فيه خصوصية لافتة مثلما جاء في البيت (غرفتك سجادتك مصحفك والتمتمات/ وبراد شاهيك يخبر والبساط أحمدي)، وهذا دليل على أن الأحمدي يملك حرفة شاعر، ولكثرة ما في النص من وقفات فإنه يصلح كثراً للإلقاء، أما الختام فقد كان جميلاً جداً وشعراً راقياً.

منافسة في الأبيات الثلاثة والأداء


كان المطلوب ليلة أمس من الشعراء السبعة إعادة صياغة معنى أبيات ثلاث للشاعر محمد الصقري النجدي، والتي جاء موضوعها في الجار، شرط أن تكون مختلفة الوزن والقافية، والتي قال فيها الصقري
أحدٍ على جاره بختري ونوّار وأحدٍ على جاره صفاةٍ محيفه



استوديو التحليل
وفي استوديو التحليل كان قد التقى الإعلامي والشاعر عارف عمر د. ناديا بوهنّاد في بداية ونهاية الحلقة لتقول رأيها العلمي في شعراء حلقة ليلة أمس، وهم أحمد المجاحمة، بخيت المري، عبدالله الهذال، علي الغنبوصي، فلاح البدري، علي القرني، وديع الأحمدي.
حيث أكدت د. ناديا بوهنّاد أن شعراء الحلقة وبمقارنة أدائهم ليلة أمس مع أدائهم في المرحلة السابقة فقد أبدوا تحسناً في بعض الجوانب، وبينما كان أحمد المجاحمة في المرحلة السابقة متواضعاً وحماسياً جاذباً الجمهور، واثقاً من نفسه، إلا أنه أبدى ليلة أمس اعتداده بذاته، من جانبه كان بخيت المري رائع الأداء جذاباً، وحضوره كذلك، وقد تخلى الشاعر أمس عن تحريك شفتيه، لكنه استعاض عنها بتحريك قدميه.
عبدالله الهذال صاحب الأفكار الجديدة والحماس والمحب للاستعراض؛ كان ليلة أمس جيداً، وخصوصاً في جلسته التي كانت تدل على الثقة، وعلي الغنبوصي الذي تمكّن في المرحلة السابقة من التعبير جيداً بلغة الجسد، ومن أداء نصه بحماسٍ جذب الجمهور؛ كذلك كان ليلة أمس.
فلاح البدري كان حاله كحال سابقه، دخل بقوة، وجذب الجمهور، جاء أداءه ممتازاً، وأبدى تفاعلاً مع نصه، في حين بدا علي القرني البارحة مرتاحاً ومتفاعلاً ومندمجاً مع نصه.
وقد شكّل وديع الأحمدي صاحب الأداء الغريب والجميل حالة استثنائية كونه "جرعة استرخاء" مثلما قالت د. بوهنّاد، وكان ذلك جيداً كونه آخر شاعر قدم قصيدته في الحلقة.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم


 
الى الاعلى